كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لَّهُمْ درجات عِندَ رَبّهِمْ} كرامة وعلو منزلة. وقيل درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم.
{وَمَغْفِرَةٌ} لما فرط منهم.
{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أعد لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده.
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له، وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة. أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله: {لِلَّهِ والرسول} أي الأنفال ثبتت لله والرسول صلى الله عليه وسلم مع كراهتهم ثباتًا مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك، يعني المدينة لأنها مهاجرة ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم.
{وَإِنَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين لَكَّرِهُونَ} في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم، وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبًا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال، فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة، فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول، عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبدًا، وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكًا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منها، فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال: ما ترضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم، فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يومًا في السنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش، فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم: هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنما خرجنا للعير، فردد عليهم وقال أن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال: أنظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال مقداد بن عمرو: امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «أشيروا عليَّ أيها الناس» وهو يريد الأنصار لأنهم كانوا (عددهم) وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم، فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال: أجل، قال: آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فنشطه قوله ثم قال: «سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر قيل له: عليك بالعير فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له: «لم» فقال: لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك، فكره بعضهم قوله.
{يجادلونك فِي الحق} في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه.
{بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} لهم أنهم ينصرون أينما توجهوا بإعلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
{كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ} أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ روي أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان، وفيه إيماء إلى أن مجادلتهم إنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين} على إضمار اذكر، وإحدى ثاني مفعولي {يَعِدُكُمُ} وقد أبدل منها.
{أَنَّهَا لَكُمْ} بدل الاشتمال.
{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسًا ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَدَدِهِمْ، وعُدَدِهِمْ والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك: {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ} أي يثبته ويعليه.
{بكلماته} الموحى بها في هذه الحال، أو بأوامره للملائكة بالإِمداد، وقرئ {بكلمته}.
{وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} ويستأصلهم، والمعنى: أنكم تريدون أن تصيبوا مالًا ولا تلقوا مكروهًا، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين.
{لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} أي فعل ما فعل وليس بتكرير، لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها.
{وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} ذلك.
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بدل من {إِذْ يَعِدُكُمُ} أو متعلق بقوله: {ليحق} بقوله: {لِيُحِقَّ الحق}، أو على إضمار اذكر، واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون: أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه عليه السلام نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو: «اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.
{فاستجاب لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ} بأني ممدكم، فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول.
{بِأَلْفٍ مّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضًا من أردفته أنا إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين، أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه. وقرأ نافع ويعقوب {مُرْدِفِينَ} بفتح الدال أي متبعين بمعنى أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم. وقرئ {مُرْدِفِينَ} بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فأدغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الإتباع. وقرئ {بآلاف} ليوافق ما في سورة آل عمران، ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة، أو وجوههم وأعيانهم، أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي أخبار تدل عليها.
{وَمَا جَعَلَهُ الله} أي الإمداد {إِلاَّ بشرى} إلا بشارة لكم بالنصر.
{وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم.
{وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها.
{إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس} بدل ثان من {إِذْ يَعِدُكُمُ} لإِظهار نعمة ثالثة أو متعلق بالنصر أو بما في عند الله معنى الفعل، أو بجعل أو بإضمار اذكر. وقرأ نافع بالتخفيف من أغشيته الشيء إذا غشيته إياه والفاعل على القراءتين هو الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمر {يغشاكم النعاس} بالرفع.
{أَمَنَةً مّنْهُ} أمنا من الله، وهو مفعول له باعتبار المعنى فإن قوله: {يُغَشّيكُمُ النعاس} متضمن معنى تنعسون، و{يغشاكم} بمعناه، وال {ءامِنَةً} فعل لفاعله ويجوز أن يراد بها الإِيمان فيكون فعل المغشي، وأن تجعل على القراءة الأخيرة فعل النعاس على المجاز لأنها لأصحابه، أو لأنه كان من حقه أن لا يغشاكم لشدة الخوف فلما غشيهم فكأنه حصلت له أمنة من الله لولاها لم يغشهم كقوله:
يَهَابُ النَّوْمُ أنْ يَغْشَى عُيُونا ** تَهَابُكَ فَهُوَ نَفَّارٌ شَرُودُ

وَقرئ {ءامِنَةً} كرحمة وهي لغة.
{وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ} من الحدث والجنابة.
{وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} يعني الجنابة لأنها من تخييله، أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش. روي أنهم نزلوا في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء، فوسوس إليهم الشيطان وقال: كيف تنصرون، وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون أنكم أولياء الله، وفيكم رسوله فأشفقوا فأنزل الله المطر، فمطروا ليلًا حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضئوا، وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة.
{وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} بالوثوق على لطف الله بهم.
{وَيُثَبّتَ بِهِ الأقدام} أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل، أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة.
{إِذْ يُوحِى رَبُّكَ} بدل ثالث أو متعلق بيثبت.
{إِلَى الملائكة أَنّي مَعَكُمْ} في إعانتهم وتثبيتهم وهو مفعول {يُوحِى}. وقرئ بالكسر على إرادة القول أو إجراء الوحي مجر. اهـ.
{فَثَبّتُواْ الذين ءامَنُواْ} بالبشارة أو بتكثير سوادهم، أو بمحاربة أعدائهم فيكون قوله: {سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} كالتفسير لقوله: {أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ}، وفيه دليل على أنهم قاتلوا ومن منع ذلك جعل الخطاب فيه مع المؤمنين إما على تغيير الخطاب أو على أن قوله: {سَأُلْقِى} إلى قوله: {كُلَّ بَنَانٍ} تلقين للملائكة ما يثبتون المؤمنين به كأنه قال؛ قولوا لهم قوْلي هذا.
{فاضربوا فَوْقَ الأعناق} أعاليها التي هي المذابح أو الرءوس.
{واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} أصابع أي جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم.
{ذلك} إشارة إلى الضرب أو الأمر به والخطاب للرسول، أو لكل أحد من المخاطبين قبل.
{بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} بسبب مشاقتهم لهما واشتقاقه من الشق لأن كلا من المتعادين في شق خلاف شق الآخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب.
{وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} تقرير للتعليل أو وعيد بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا.
{ذلكم} الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع أي: الأمر ذلكم أو ذلكم واقع أو نصب يفعل دل عليه.
{فَذُوقُوهُ} أو غيره مثل باشروا أو عليكم فتكون الفاء عاطفة.
{وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار} عطف على ذلكم أو نصب على المفعول معه، والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة. ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل أو الجمع بينهما. وقرئ {وَأَنْ} بالكسر على الاستئناف.
{يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفًا} كثيرًا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون، وهو مصدر زحف الصبي إذا دب على مقعده قليلًا قليلًا، سمي به وجمع على زحوف وانتصابه على الحال.
{فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار} بالانهزام فضلًا أن يكونوا مثلكم أو أقل منكم، والأظهر أنها محكمة مخصوصة بقوله: {حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} الآية، ويجوز أن ينتصب زحفًا حالًا من الفاعل والمفعول أي: إذا لقيتموهم متزحفين يدبون إليكم وتدبون إليهم فلا تنهزموا، أو من الفاعل وحده ويكون إشعارًا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم إِثنا عشر ألفًا.
{وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفًا لّقِتَالٍ} يريد الكر بعد الفر وتغرير العدو، فإنه من مكايد الحرب.
{أَوْ مُتَحَيّزًا إلى فِئَةٍ} أو منحازًا إلى فئة أخرى من المسلمين على القرب ليستعين بهم، ومنهم من لم يعتبر القرب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان في سرية بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففروا إلى المدينة فقلت: يا رسول الله نحن الفرارون فقال: «بل أنتم العكارون وأنا فئتكم» وانتصاب متحرفًا ومتحيزًا على الحال وإلا لغو لا عمل لها، أو الاستثناء من المولين أي إلا رجلًا متحرفًا أو متحيزًا، ووزن متحير متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزًا لأنه من حاز يحوز.
{فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} هذا إذا لم يزد العدو على الضعف لقوله: {الئن خَفَّفَ الله عَنكُمْ} الآية، وقيل الآية مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب. اهـ.